فصل: المبحث الثاني: لماذا يحرص اليهود على تمزيق المنطقة العربية وتجزئة مصر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: قراءة في فكر علماء الإستراتيجية (نسخة منقحة)



.المبحث الثاني: لماذا يحرص اليهود على تمزيق المنطقة العربية وتجزئة مصر:

لكن لماذا يحرص الأعداء على تجزئة مصر؟
يقول الكاتب رحمه الله:
إن القوى الطامعة في مصر، تهدف إلى تجزئة مصر خوفا من ازدياد قوتها، ففي نهاية هذا القرن سوف يصير عدد سكان مصر- بإذن الله- ثمانين مليونا، كما أن موقعها الإستراتيجي أضحى أكثر خطورة على مصالح القوى الكبرى لأن حقيقة الصراع الدولي تغيرت معالمه وخصائصه، ولو استطاعت مصر أن تهيئ لنفسها قيادة حقيقية، فهي مؤهلة لأن تجمع تحت رايتها جميع دول المنطقة العربية- وأيضا العالم الإسلامي- وهذا يعنى نتيجتين:
أولاً- انتهاء إسرائيل، سواء باستئصال واقتطاع وجودها أو بذوبانها وابتلاعها.
ثانياً- وضع حد لعملية النهب لثروات الأمة التي تمارسها القوى الدولية، والشركات الكبرى المتعددة الجنسية في جميع أجزاء المنطقة.
ومن يرد أن يعرف كيف تفكر القيادة الإسرائيلية فليقرأ كتاب بن جوريون تاريخ شخصي A Personal History ومع الغزو العسكري، هناك محاولات مستميتة لمنع زيادة نسل الشعب المصري، بل العالم الإسلامي، عبر أجهزة تنظيم النسل التي تنفق عليها أمريكا والدول الأوربية بسخاء كبير.
أمريكا وإسرائيل يتجسسون على مصر ويجمعون عنها المعلومات!
دور المعلومات في الإستراتيجية الأمريكية واليهودية:
حينما عرض الكاتب رحمه الله لسياسة جمع المعلومات وموقعها من الإستراتيجية الأمريكية، ذكر أن مفهوم الأمن القومي الأمريكي قد اتسع بشكل لافت للنظر، عندما ربطت الولايات المتحدة الأمريكية بين أمنها ووجود إسرائيل، وعندما اعتبرت أي تغيير يمكن أن يحدث في أي بقعة من بقاع العالم تهديداً للأمن القومي الأمريكي، وأضحى حماية المواد الأولية في جنوب إفريقيا العنصرية هي أحد عناصر الأمن القومي الأمريكي؟ ولهذا فإن أمريكا ترى أن تعتمد على نفسها وقوتها، ولا تعتمد على حلف ولا دول تابعة، يجب أن تخلق أدواتها الذاتية في كل منطقة لحماية مصالحها- كما يقول الكاتب- ويرتبط بهذا تطور خطير في مفهوم التعامل الإستراتيجي أحد محاور الصدام المحتمل- منطقة القلب- وهى الممتدة من جنوب شرق أوربا، حيث مواقع حلف الأطلنطي حتى وسط المحيط الهندي، حيث جزيرة ديجوجارسيا التي تتمركز بها أكبر قاعدة أمريكية عرفها التاريخ حتى اليوم، ويتبع ذلك أن هذه المنطقة يجب أن تدخل في دائرة الاستعداد، حيث المسرح الثاني لحرب في مستوى الصدام في وسط أوربا.
ومن هنا كانت خطة أمريكا للتعامل مع العالم الثالث، ومنه مصر والعالم العربي الذي قد يتمرد على مخططاتها، وتسلطها ونهبها لثرواته، وإهدارها لحريته، فأي حركة في تلك الدول ترمي إلى تغيير الوضع القائم، يجب أن تواجه بالعنف، إنها نوع من الإرهاب الدولي، وتبدأ خطة أمريكا بجمع المعلومات لمعرفة مصر والبلاد التي يرغبون في الاستيلاء على خيراتها من الداخل، وتحليل خصائص وأسلوب التعامل مع عقليتها وعقلية قيادتها السياسية والفكرية، وهذا أسلوب ينتهجه الاستعماريون مع الأمة منذ زمن بعيد.
إن جمع هذه المعلومات ليست بقصد علمي منزه، وهى اليوم في البلاد المختلفة تتولاها أجهزة ظاهرها مدنية، ولكنها تنتهي بأن تصب في أجهزة الأمن القومي الأمريكي الصانعة لسياسة أمريكا في العالم العربي.
لقد بدأت الولايات المتحدة تنفيذ هذه السياسة منذ عهد عبد الناصر، من خلال منظمة فورد.
إن عملية جمع هذه المعلومات تستند إلى تحالف وثيق بين الأجهزة الأمريكية من جانب، والأجهزة الإسرائيلية من جانب آخر، وأجهزة حلف الأطلنطي من جانب ثالث، والمخابرات الأمريكية- بصفة خاصة- تعمل بتوافق تام مع أجهزة الأمن الإسرائيلي.
وقد ذكر الكاتب رحمه الله مجموعة من النقاط الجديرة بالتسجيل، والتي لا يمكن أن تغنى عن قراءة كل كلمة في المقال:
دقة وخطورة التعامل مع المعلومات، وجمع المعلومات، فإن الأمريكان يعهدون إلى أشخاص معينين بعمل بحوث ميدانية، وهم لا يملكون أي معرفة حقيقية بالبحوث الميدانية، وهم إلى جانب ذلك يمتازون بالسطحية من جانب، والغرور من جانب آخر، وهذا سلاح ذو حدين، فهو من جانب يجعل المرء يطمئن إلى عدم قدرة هؤلاء على البحث الحقيقي، واكتشاف الحقائق المستترة خلف هذه المعلومات، ولكن من جانب آخر يصيرون أداة فاعلة في يد المخطط الأجنبي، الذي يجلس إلى جوار هؤلاء، ويستخدمهم كما يستخدم الدمى على مسرح العرائس، وذكر الكاتب رحمه الله: أن استخدام المعلومات اليوم أضحى عملية مرعبة من حيث القدرة والفاعلية، لقد ذكر البعض أنه في عهد الرئيس عبد الناصر استطاعت المخابرات الإسرائيلية من متابعة عدد علب السردين المنقولة إلى منطقة الإسماعيلية تقدير تطور عدد القوات المصرية المقاتلة في تلك المنطقة!!.
وعن نوعية المعلومات التي يسعى الأعداء إلى الحصول عليها... يقول الكاتب: الواقع أن المعلومات التي تسعى إليها هذه الأجهزة الأجنبية، هي تلك التي تسمى بالمعلومات الخاصة بالمبررات، أو بعبارة أخرى: المتغيرات الدولية التي تستتر خلف السلوك وخلف الوقائع. ثم قال الكاتب: على الدولة أن تستيقظ، وعلى الحاكم أن يفتح عينيه جيداً! ليعرف أن كيان أمته قد أضحى موضع التهديد.
وعن خصوصية العلماء العرب الذين يأتون من الولايات المتحدة الأمريكية، ذكر الكاتب- رحمه الله: أن المهاجرين العرب إلى أمريكا من العلماء والمهندسين بين عام 1966 وعام 1977 قد بلغ عددهم فقط من الذين يحملون درجة الدكتوراه أكثر من ستة آلاف عالم، نصيب مصر يزيد عن ثلاثة آلاف، هم على وجه التحديد يوزعون بالشكل التالي:
مهندسون 2113، علماء طبيعة 1039، علماء الاجتماع 158، وذلك دون الأطباء وسائر العلوم الأخرى.
وتساءل الكاتب: هل يصلح هؤلاء العلماء، وبالتحديد العلماء المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في أبحاثنا الميدانية، وتحمل مسؤولية تلك الأبحاث، وخاصة تلك الأبحاث المتعلقة بالمعلومات التي ترتبط بالأمن القومي؟
وأجاب الكاتب بالنفي: كلا، والسبب- كما ذكر الكاتب: أن أغلبهم- إن لم يكونوا جميعهم- أدوات متقدمة للمخابرات الأمريكية، يخضعون لتوجيهها بطريق أو بآخر، بل إن الكثير ممن درسوا في تلك الجامعات وعادوا إلى مصر قد خضعوا لذلك التوجيه.
وعن طبيعة التطور العام في المنطقة وأهميته للإستراتيجية الأمريكية الجديدة، وموضح جمع المعلومات من هذه الإستراتيجية، ذكر الكاتب جملة أهداف من وراء جمع هذه المعلومات منها:
مواجهة أي حركة ترمي إلى تغيير الوضع القائم في دول العالم الثالث بالعنف والاستئصال، فأي حركة في تلك الدول ترمي إلى تغيير الوضع القائم يجب أن تواجه بالعنف، إنها نوع من الإرهاب الدولي، يقول هيج عندما كان مسؤولاً عن وزارة الخارجية بهذا الخصوص: إن مفهوم مقاومة استخدام الإرهاب الدولي، وهو الاصطلاح الذي يستخدم للتعبير عن حركات التغيير في العالم الثالث، يجب أن يحل في اهتماماتنا موقع مفهوم الدفاع عن حقوق الإنسان، كذلك فإن مواجهة هذا الإرهاب الدولي يجب أن تتم من خلال استخدام القوة العسكرية، من العبث الحديث عن الإصلاح أو التقدم أو التجديد، الذي يعني القيادات الأمريكية، هو القدرة على الاستئصال الجسدي والعنصري للقوى الثورية والقيادات الرافضة.
وهكذا فإن النظرية الأمريكية الجديدة واقعية وعنيفة في واقعيتها، لا تؤمن بفكرة الإصلاح، ولا بكل ما يتصل بغزو القلوب، هي تكتفي بغزو القوى الثورية واستئصالها بالأدوات العسكرية وما في حكمها، أما ما عدا ذلك فلا يعنيها، لأنه مضيعة للوقت والمال.

.المبحث الثالث: الأدوات التي تتبناها السياسة الأمريكية لتنفيذ مخططاتها:

ثم تساءل الكاتب: ما هي أدوات تنفيذ تلك السياسات في دول العالم الثالث؟ وما هي المنطلقات التي تنطلق منها؟
وقد أجل الكاتب الإجابة عن السؤال الأول، وأجاب عن الثاني بقوله: إنها تنطلق- تنبع- من مفهومين أساسيين:
أولاً- الوقاية خير من العلاج، ومن ثم يجب ألا تنتظر- أمريكا وأعوانها- حتى تنفجر الثورة أو حركات الرفض، بل يجب اقتطاعها مسبقاً.
والثاني- عندما يحدث التدخل، فلندع جانباً مفهوم التدرج في التدخل، وإنما يجب أن يكون هذا التدخل كثيفا صاعقا، وبعبارة أخرى: إن أول ما يجب أن تهتم به الإدارة الأمريكية هو عملية حصر حقيقية للقوى والقيادات القادرة أو الصالحة لأن تكون ثورة رفض على قسط معين من الفاعلية، وعندما تكتشف الإدارة، عليها أن تلجأ إلى جميع الوسائل لاستئصال تلك القوى والقيادات، ويكون الترغيب والتطويع خطوة أولى، وإن لم تفلح، فالقبض والسجن خطوة ثانية، وإلا فالقتل والاستئصال الجسدي.
هذا ما كتبه صراحة ميشيل كلار الخبير في معهد التحليل السياسي بجامعة واشنطن، وهو ما سمح لنا بأن نفهم الوظيفة التي تؤديها مراكز البحوث المنتشرة خلف الأهداف والاعتبارات الأكاديمية، وهو أيضا يوضح النوايا الحقيقية من عمليات جمع المعلومات الميدانية.
يقول الكاتب بكلمات صريحة ليست في حاجة إلى تعليق:
وتستطيع هذه السياسة أن تكون مجدية؟ لأن السياسة الأمريكية تفحص الملاحظة المستمرة لسلوك المواطنين من خلال ناقلي المعلومات للإدارة الأمريكية، وكذلك من خلال وضع نظام حديث للتصنت والمراقبة، فضلاً عن معالجة المعلومات.
ثم تساءل الأستاذ الدكتور حامد ربيع- رحمه الله: ترى هل قرأ علماؤنا تقرير هذا العالم؟ وهو أحد من أسهموا في وضع هذه الإستراتيجية؟ هذا التقرير قد نشرته جريدة لموند الدبلوماسي فأقام الدنيا وأقعدها في جميع أجزاء أوربا، ولكن علماؤنا الأجلاء لا يزالون يغطون في النوم... فهل من مستمع؟.
وقد اعتمد الكاتب في بحثه على:
أ- ما نشر في عدد لموند الدبلوماسي أبريل 1981، الذي نشر تقرير ميشيل كلار الخبير في التحليل السياسي، وواحد ممن أسهموا في وضع الإستراتيجية الأمريكية الجديدة التي بدأت من أول عهد كارتر، وهو يعمل باحثاً في معهد دراسات التخطيط السياسي بواشنطن، وهو صاحب المؤلف المشهور بعنوان (حرب بدون نهاية) الذي يؤكد فيه على ضرورة أن تدخل الإدارة الأمريكية في قناعتها التدخل في العالم الثالث دون توقف.
في هذا التقرير تحدث عن التخطيط الأمريكي لمواجهة حركات الرفض في دول العالم الثالث، على أساس تغيير الإستراتيجية التي كان يتبعها كينيدي، واتباع إستراتيجية مفادها: ليس خلق القناعة بالتعاون مع الإدارة الأمريكية، وإنما استئصال مفاصل القوة في المجتمعات موضع الغزو في دول العالم الثالث.
ب- وكذلك كتاب غزو الأرواح الذي أصدره الناشر اليساري الفرنسي ماسبرو سنة 1982، وهو يحدد مصادر التصور الأمريكي لغزو العقول في العالم المعاصر بما في ذلك أوربا، وكيف أن التفكير بدأ أثناء الحرب العالمية الثانية.
وهذه الوثيقة- كما يقول الكاتب- خطورتها في أنها تحدد مصادر غير معروفة، وغير متداولة عن كيفية دراسة وإعداد هذا المخطط، منذ الحرب العالمية الثانية، ويقال: إن سبب مقتل فلترينلي الناشر الإيطالي اليساري المشهور يرتبط بنشر هذه الوثيقة، ولعل هذا هو أحد الأسباب الرئيسة التي عجلت بالغزو الاستعماري الصهيوني- الأمريكي والأوربي.
- للعالم العربي في عام 1991، واحتلاله لقواعد في جزيرة العرب والبلاد المحيطة والبحرين الأحمر والأبيض، وضرب العدة العسكرية والمنشآت المدنية لشعبي العراق والكويت، والأخطر من هذا تمزيق الصف وتحجيم دور مصر في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، ووضع اليد على منابع النفط، والهيمنة شبه الكاملة على حياة المجتمعات، مع العمل المستمر لضرب أية محاولة وطنية تحاول التحرر من قبضة الأعداء.
وهكذا يتبين لنا أيها القارئ الكريم حجم المؤامرة الصهيونية الاستعمارية على أمتنا، كما يتبين أن اغتصاب فلسطين هو بداية الضياع لبقية ديار المسلمين، إذ أنه عرض أمن العالم الإسلامي كله للخطر. وهناك شيء أخر، وهو أن بلاد المسلمين عامرة بالثروات، ولكنهم محرمون من الاستفادة منها، ونحن نحرسها ونقدمها إلى الأعداء ليحولوها إلى رصاص وقنابل توجه إلى صدورنا.
كما يتضح لنا أيضا أن القرصان الصهيوني الاستعماري وأعوانه ينطلقون من سياسة أمنية تقوم على ضرورة الإجهاض المبكر لأية محاولة قد تبذلها الأمم والشعوب للتحرر من قبضتهم. ولهذا فإن شعوب العالم الإسلامي بقيادة حركات البعث الإسلامي مطالبة بدراسة هذه المخطط والسياسات، ووضع خطط تقوم على الإجهاض المبكر لمخططات القراصنة، وتستشعر معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم.
حول تلك التساؤلات بدأ الكاتب رحمه الله يفند دوافع الأعداء لتمزيق المنطقة العربية، وإقامة الكيانات الطائفية فقال: طرح قادة اليهود سؤالاً: كيف تستطيع القيادة اليهودية المحافظة على بناء إسرائيل، وتجنب ما حدث لأوربا في الحروب الصليبية؟
قدم إيجال آلون، وشيمون بيريز، اقتراحات بهذا الشأن وهى ليست الوحيدة.
- المحور الفكري لهذه الاقتراحات: أن إسرائيل مهما فعلت، وحتى لو نجحت بأقصى فاعلية في تجميع اليهود في دولة إسرائيل، فإن ذلك لن يسمح بإقامة دولة تتجاوز العشرين مليوناً في نهاية القرن، وحتى ذلك التاريخ، فإن أصغر دولة عربية سوف تكون قد تجاوزت هذا العدد أو اقتربت منه، وذلك دون الحديث عن مصر التي سوف تصل إلى ثمانين مليوناً، إزاء ذلك، فإن إسرائيل سوف يتعين عليها أن تظل قلقة محاصرة، فهل يضمن الدفاع المستمر بما يمثل من نفقات من جانب الولايات المتحدة الأمن الإسرائيلي؟ أم أن على إسرائيل أن تخلق إطار دفاعها الذاتي، وهى لذلك يجب أن تعمل جاهدة على أن تحيل المنطقة إلى دويلات صغيرة، أو كيانات هشة محدودة الفاعلية، ومن ثم تلهى تلك الدويلات بصراعات حول الحدود، أو بخلافات عشائرية خلال خمسين عاماً على الأقل؟ مثل هذا التصور يحقق لإسرائيل ثلاثة أهداف في آن واحد:
أولاً- أن تصبغ المنطقة بصبغة طائفية.
ثانياً- أن تصير إسرائيل- وهى الدولة القوية باقتصادها وتقدمها التكنولوجي- هي الدولة السائدة أو المسيطرة على المنطقة، حيث لا يوجد حولها سوى دول أقزام.
ثالثاً- أن تتوسع وتغزو اقتصادياً؟ لأن أي دولة من تلك الكيانات الهشة لا تملك القدرة الاقتصادية على الاكتفاء الذاتي.
إذن اليهود يعتبرون التجزئة للمنطقة أحد العناصر الضرورية للأمن الإسرائيلي، بل إنه يصير عنصراً أساسياً لا بديل له..
ولتحقيق ذلك لابد من خطوات- طبقا لاقتراحات آلون.. وشيمون بيريز.
أولاً- الهزيمة العسكرية الساحقة- لمصر والعالم العربي- تصير الخطوة الأولى، مما يعنى فقدان الثقة في الذات، والقناعة في عدم القدرة على المواجهة ولذلك فإن الهزيمة العسكرية يجب أن تصاحبها أمور ثلاث: تدمير مكثف من جانب، وتشتيت للأهالي على صورة واسعة من جانب آخر، ثم الحرب النفسية من جانب ثالث.
ثانياً- خلق مسالك الاتصال المباشر مع القوى الفكرية والقيادية في المجتمع المحلى، وتدعيم مفهوم التعاون والحوار الذي يضع حدا للعداوة الفعلية، ويخلق طبقات منتفعة، والدليل كما يقول حامد ربيع: إن مئات الآلاف التي تنفقها إسرائيل في مصر، ثم في لبنان على الأبحاث الميدانية والبحوث المشتركة مع بعض أساتذتها تخفى تحركاً خبيثاً، محوره: خلق بذور الصداقة والمصلحة في الجسد العربي.
ثالثاً- تخريب المرافق القومية؟ لأنه يؤدى إلى فقد الهيمنة والشعور بعدم فاعلية الدولة المركزية، ويرتبط ذلك بالإكثار من الفضائح، وتلوث القيادات. ومصدر هذه التصورات الإسرائيلية، كما يقول حامد ربيع: هو الفكر النازي!!.
وتساءل الأستاذ الدكتور حامد ربيع: ولكن أين مصالح السياسة الأمريكية في تنفيذ مثل هذا المخطط؟
ويجيب على ذلك بقوله:
في عام 1967، أضحت إسرائيل هي حاملة الطائرات الثانية في المنطقة العربية لجماعة المصالح الأمريكية، وبصفة أدق لتأديب القيادات العربية، التي تتمرد على مخططات الاستعمار والصهيونية، ومنذ 1975 ازدادت الصلة بينهما، حيث أصبحت إسرائيل رأس حربة للتواجد الأمريكي الممتد في المحيط الهندي، وحتى داخل الخليج العربي من جانب، ومدخل البحر الأحمر من جانب آخر، ولكنها في عام 1982 صارت أداة لوظيفة أخرى أكثر خطورة، فقد أصبح هناك تعاون إستراتيجي بين تل أبيب وواشنطن، والمرتبط أيضا بما يسمى قوة الانتشار السريع، أساسه: أن تعد إسرائيل بحيث أن تواجه أية محاولة تهدد المصالح الأمريكية- خاصة البترولية- في المنطقة، ومن هنا كانت سياسة جمع المعلومات والبحوث المشتركة، كأداة لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية اليهودية- الاستعمارية الصهيونية- وهدفها ضبط القوى المحلية الساعية والقادرة على التغيير، والعمل على تجزئة مصر، وعزلها، وتفريغها من قواها الحقيقية، وإعدادها للدور الذي قد أعده لها الإستراتيجيون الأمريكيون، بالتوافق التام مع الإستراتيجية الإسرائيلية. وهنا تأتى سياسة جمع المعلومات التي تخدم هذه السياسات. جمع المعلومات تأتى عبر الأبحاث الميدانية التي انتشرت في مصر خلال الأعوام الأخيرة، وتغلغلت في كل مكان، بحيث وجدنا ممثليه يجلسون في أدق أجزاء الجسد المصري حساسية، وبحيث أضحى كل مصري يتهالك على إرضاء هؤلاء السادة الجدد- الأمريكان وغيرهم.
أين مسؤولية علمائنا الذين اندفعوا بلا وعى في هذه العملية؟.
وأين مسؤولية أجهزة الأمن المصرية؟ ومن هنا لابد وأن نطرح التساؤل الأخطر: أين مسؤولية علمائنا؟ وأين مسؤولية أجهزة الأمن لدينا؟ وهل القيادة واعية بهذه المخاطر؟ وماذا أعدت لمواجهتها؟.
وقد حاول الكاتب رحمه الله في مقال تال أن ينبه أمته إلى الأمن المطلوب في سياسة جمع المعلومات وقد قدم بكلمة جاء فيها:
وعلى الحاكم أن يخرج عن صمته ليؤدى واجبه، إن أراد أن يخلى مسئوليته أمام الأجيال، وأن يعلن أمام الضمير القومي واجبه؟ ليعلم أن هذا وحده أساس شرعيته، كما ذكر أن مصير أمتنا في الميزان... وطالب بمحاكمة حقيقية لأولئك الذين خانوا أمتهم، وخانوا أمانة العلم التي وضعت في أعناقهم، عندما قبلوا أن يكونوا في بلادنا جيشاً من العملاء.
الأدوات التي تتبناها السياسة الأمريكية:
أولاً: الأدوات الداخلية وهى تهدف إلى:
* تشجيع الشعوبية- بمعنى إحياء القوميات والعصبيات.
* تدعيم مفهوم الولاء الطائفي- بمعنى إذكاء الصراع بين أبناء الأمة- مسلمين ونصارى ورعاة ورعية.
* مساندة الزعامات المهلهلة ودفعها إلى مواقع السلطة.
* خلق طبقات منتفعة طفيلية.
* استخدام أساليب التسميم السياسي.
* الأبحاث الميدانية الأمريكية ودورها في خدمة هذه السياسات.
ومجموعة هذه السياسات تقود إلى نتيجتين متكاملتين:
الأولى- الفوز بالتبعية للإرادة الغازية.
الثانية- الابتعاد عن التكامل بالنسبة للإرادة القومية العربية. والنماذج التي تعيشها المنطقة العربية بهذا المعنى عديدة لا حصر لها، بل ويمكن أن نقول: إن جميع أجزاء المنطقة وبدرجات متفاوتة قد وقعت في هذا الفخ.
ثانيا- الأدوات الخارجية أو الدولية: وهى موجهة ضد تكامل الإرادة العربية، وهى تهدف إلى:
1- نشر الكراهية ضد العالم العربي.
2- تدعيم الترابط الدولي ضد المصالح العربية.
3- تفجير منظمة الأوبك.
الأدوات الداخلية التي تتبناها السياسة الأمريكية، بمعنى الأساليب التي تتبناها السياسة الأمريكية في داخل بلاد العالم العربي لتحقيق أهدافها.
وقد ذكر الكاتب رحمه الله جملة حقائق نذكر بعضها ولا يغنى هذا عن الاطلاع على المقال كاملاً في مصدره، قال الكاتب- رحمه الله:
أ- وتفضح الوثائق التي نشرها العالم الفرنسي جوليان على أن تعليمات الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية إلى الشركات البترولية في العالم العربي واضحة، وهى عدم توظيف عوائدها النفطية في المنطقة، وذلك رغم أن احتمالات الكسب في ذلك الميدان لا حدود لها. كل دولار يوظف في المنطقة العربية يستعيد نفسه خلال فترة لا تتجاوز العامين، بينما هو في حاجة إلى خمسة عشر عاماً في غرب أوربا، ومع ذلك فتعليمات وزارة الخارجية الأمريكية كانت صريحة إلى الشركات البترولية أن توجه عائداتها البترولية لتوظف في اقتصاد غرب أوربا، ولا توظف محلياً في المنطقة العربية.
ب- سياسة جمع المعلومات، هي أحد الأدوات المساندة والضرورية لعملية التغلغل من القوى الأجنبية، لقد أضحت المعرفة الدقيقة أو الواضحة بمقومات الجسد الذي يراد تطويقه عنصرا أساسياً من عناصر التعامل مع الواقع السياسي.
وتساءل المؤلف: ما هي أهداف أمريكا من سياسة جمع المعلومات في مصر؟
وطالب بتذكر عدة أمور:
الأول- ينفق ملايين في مصر حول هذه البحوث المشتركة- لجمع المعلومات- ليس مرده حب مصر، والتغنى بجمالها، ومن يحدثنى عن الاهتمامات الأكاديمية، فلا أستطيع أن أصفه إلا بالبلاهة- لو أردت أن أفترض حسن النية- وهو أمر بدوره موضع احتمال.
هناك أهداف خفية تجعل الإدارة الأمريكية تلهث وراء معرفة خفايا الوجود المصري، سواء على مستوى الفرد أو الجماعة، وليس فقط من حيث الخصائص السلوكية القائمة، بل وتطور تلك الخصائص السلوكية واحتمالاتها المستقبلية، هذه العملية تنبع من مخطط معين يسيطر عليه السعي نحو أهداف معينة، فما هي؟؟ ورغم أن السلطات المصرية ظلت حتى الآن تغمض عينيها عن الذي يدور حولها، فهل أن الأوان لأن نتساءل وبصراحة: ما هي حقيقة هذه الأهداف؟
إن الخط القاتل لسياسة مصر الخارجية، هي أنها ظنت أن تصرفات الولايات المتحدة- وهى دولة عظمى- تنبع من سياسة تنطلق من مبادئ ومفاهيم وتقاليد السياسات العظمى، ونسيت أن الولايات المتحدة لم تعد تملك تقاليداً أو قيماً.
الثاني- أن القوة السياسية الأمريكية جاءت نتيجة ضعف الإرادة المصرية في مواجهة هذا الغزو الفكري الذي تخضع له مصر دون حياء، إن مصر أكثر ضعفا واستسلاماً إزاء الفاتح الجديد.
وهدف السياسة الأمريكية منع مصر- أولاً- من أن تصبح قوة ضاربة في المنطقة طالما أنها- أي أمريكا- تريد أن تسيطر على المنطقة، فلن يتأتى لها ذلك، إلا إذا عزلت مصر عن المنطقة، وعملية العزل أبعادها متعددة، وتحطيم إرادة التكامل ليس سوى أحد أبعادها، هناك أيضا الترابط الثقافي والحضاري، وهى من جانب آخر تقوم بعملية تطويع كلى وشامل للإرادة المصرية، بحيث تجعل الجسد المصري كياناً لا مفاصل له، وهى من ثم- وبأساليب متعددة- ترحب وتشجع عملية خلق التسيب، بحيث يصير الجسد مترهلاً، غير قادر على أي نوع من أنواع التماسك.
الثالث- ولنتذكر- أخيراً- أن السياسة الأمريكية تقف أسيرة الإرادة الصهيونية في كل ما يتعلق بالتعامل مع المنطقة. إنها تعيش أسيرة أهداف القيادة الإسرائيلية. إن هدف السياسة الإسرائيلية هو تجزئة المنطقة إلى دويلات صغيرة طائفية، وتحولها إلى نماذج أخرى تشبه ما في البلقان في بداية هذا القرن، إن أهداف إسرائيل من هذه العملية هي تحويل دول المنطقة إلى كيانات صغيرة طائفية، بحيث يسهل التحكم فيها، وإشعال الصراعات الإقليمية بينها، بحيث تشغل قوى المنطقة لنصف قرن على الأقل من الزمان حول مشاكل حدود مصطنعة، ومن ثم يمكن للنفوذ الإسرائيلي والاقتصاد الصهيوني- الذي تتستر خلفه الشركات المتعددة الجنسية- من التوسع واستيعاب المنطقة... هذا التصور تتبناه السياسة الأمريكية والدليل:
1- تصريحات لاريمون إده رجل لبنان الذي غادر بيروت واستقر بباريس، ليعلن ذلك المخطط، ليس فقط بصدد لبنان، بل وكذلك بصدد جميع أجزاء منطقة الشرق الأوسط، وهو مخطط اتجه إلى قبرص وأحداثها معروفة، بل والبعض يتحدث عن محاولات لتطبيقه في تركيا، حيث حدث الصدام العنيف بين الشيعة والسنة في عام 1980.
2- تصريحات سليمان فرنجية الرئيس اللبناني السابق عن محاولات أمريكا بناء دولة مارونية في لبنان ابتداء من عام 1978، صادرة من شخص مسؤول ينتمي إلى تلك الطائفة، الأمر الذي يضفى عليها مصداقية معينة.
3- على أن أخطر ما يؤكد ذلك أقوال كيسنجر في حديثه المشهور لمجلة الأكونوميست اللندنية عندما أعلن: أن الاعتراف بالدولة الإسرائيلية- من جانب منظمة التحرير والدول العربية- لن يكون إلا بداية عملية تعديل وتنظيم للأوضاع الإقليمية تبعاً للإرادة الإسرائيلية. (بل ولا يتردد أن يضيف بصفاقة منقطعة النظير أن الخطر الحقيقي من المنظمة سوف يتمركز حول عدم القبول بالإرادات الإسرائيلية.
وقد طرح الكاتب سؤالا: (ما هي أهداف السياسة الأمريكية من جمع المعلومات عن مصر تحت شعار الأبحاث المشتركة)؟؟ وكانت الإجابة: (من بين الأهداف المتعددة لجمع المعلومات الأهداف الثلاثة التالية بصفة خاصة:
الهدف الأول: تطويع القوى الراديكالية- صاحبة الميول اليسارية أو الشيوعية- وقد استطاعت الإدارة الأمريكية من خلال تعاملاتها مع تلك القوى تحقيق أربعة أهداف:
1- إبعاد تلك القيادات الفكرية عن التعاطف من جانب مع الرأي العام القومي، أو ما يعبر عنه بكلمة: إحراق العميل.
2- ربط هؤلاء اليساريين بالمصالح الأمريكية، وأنه من المعروف أن عملية تجنيد العملاء لا تتجه إلا إلى المعقدين نفسياً أو العلماء الذين يشعرون بأن حقوقهم مهضومة- من ذوى الأصل الفقير- الذين يتطلعون إلى الرفاهية واليسر، أو المفكرون الذين ترسبت لديهم القناعة بأنهم غير مفهومين، وغير قادرين على الاتصال بالمجتمع، فهم يمثلون خير العناصر الصالحة للعمالة، والقيادة الغازية أثناء الحرب العالمية الثانية كانت تتصيد العاهرات لتجعل منهن مصدرا للمعلومات لسببين: أولهما: أن العقد تؤدى إلى ضعف الشعور بالانتماء القومي، ثانيهما: أن صاحب العقد النفسية على استعداد دائماً لأن يفسر خيانته بأن يجد لها مبررا وجيهاً أمام نفسه وضميره.
3- ثم هي في ذاتها مصدر للمعلومات.
4- أن هذه القوى خير العناصر لجمع المعلومات المسطحة.
الهدف الثاني: اكتشاف مواقع وقوى الرفض الممكنة أو المحتملة وخصائصها، وهذا ما يعنيه صراحة ميشيل كلار: أن نولى الاهتمام أكثر وأكثر لحركات الرفض في المدن وينبهنا العالم الأمريكي لوسيان باي الأستاذ بمعهد ماساشوسيت للتكنولوجيا- وهو الذي يتعاون مع جامعة القاهرة- بأن مستوى المدن التي تتزايد وتتضخم باستمرار، والتي تم تسييسها- ويعتقد- أضحت بمثابة مسدسات مصوبة إلى الحكومة المسؤولة.
ويضيف ميشيل كلار فيحدد... للاحتفاظ بالنظام في مواجهة هذه المسدسات فإن الإستراتيجيين الأمريكيين يتصورون بناء قوة بوليسية شبه عسكرية- مثل الأمن المركزي والجيش- قد سلحت بأدوات متقدمة ضد المظاهرات وضد الإرهاب، بل والواقع المصري يثير عدة مشاكل بخصوص هذه المدرجات، وهى أن التطور الصناعي أدى إلى تضخم تجمع المدينة، وقد أدى بدوره إلى نتائج خطيرة، فالطبقة الرافضة لم تعد طبقة الأُجراء- كما تعودنا من منطلق الخبرة الماضية، كذلك فإن الطبقة المثقفة- بالمعنى التقليدي- أضحت تسيطر على الطبقة الرافضة، وهى المقدمة الطبيعية للحركات الثورية أو ما في حكمها.
أضيف إلى ذلك غلبة عنصر الشباب، إن أكثر من نصف المجتمع المصري المعاصر أقل من سن العشرين، وهذا يضفى على المجتمع ديناميكية يعبر عنها علماء التحليل السياسي بقولهم: إنه صالح لسرعة الاشتعال.
هذه الخصائص الجديدة تفرض أسلوبا جديداً في التعامل، وهو ما يعلن عنه صراحة الخبير الأمريكي السابق ذكره، ولكن لابد لذلك من اكتشاف دقيق لهذه الخصائص وتحديدها كماً وكيفاً، وهنا تبدأ أهداف الأبحاث تبرز ظاهرة للعيان. وهنا يقول الأستاذ الدكتور حامد ربيع- رحمه الله: كم كنا نتمنى أن ننقل للقارئ كل ما تسرب من تقارير ميشيل كلار بهذا الخصوص الذي يصل به الأمر إلى تصور استخدام الأسلحة المزودة بالطاقة النووية السلاح النووي للمسرح، والتي يسميها خبراء الإستراتيجية: Armes Nucleaires de theatre.
الهدف الثالث: الإعداد والمساهمة في عملية تجزئة مصر:
إن هذا بدوره في حاجة إلى المعلومات، إن هذا الهدف كما يشرح تفاصيله العالم الإسرائيلي أوديد بنون والذي كان أحد كبار موظفى السياسة في وزارة الخارجية الإسرائيلية فيقول: تجزئة مصر، تحويل كيانها إلى وحدات جغرافية مستقلة، هذا هو الهدف السياسي الإسرائيلي خلال الثمانينات... إذا تمت تجزئة مصر، فإن دولاً- كليبيا والسودان، بل دولاً- أخرى أكثر بعدا لا يمكن أن تظل في صورتها الحالية.
وعندئذ سوف تكون لدينا دولة نصرانية في مصر العليا، ثم عدد معين من الدول الضعيفة لا تملك سوى قدرة محدودة، صهيونيا عن الدولة المركزية الحالية، إن هذا هو التطور التاريخي المنطقي الذي نعرفه في الأمد البعيد، والذي أخره فقط اتفاقية السلام عام 1979.
ثم تساءل الكاتب- رحمه الله: كيف استطاعت القيادات الإسرائيلية أن تجعل هذا المنطق يسيطر على الإدراك الأمريكي؟ وكيف أحالت هذا المنطق إلى قناعة بأن يتفق مع ذلك الذي سمي بالإجماع الإستراتيجي؟ وأين دور سياسة المعلومات هنا؟.